أم إبراهيم بارود
أمنيتها الوحيدة أن تكحل عينيها برؤية فلذة كبدها
غزة- من هبة الإفرنجي-
مازالت منذ 15 عاما حتى اليوم تشارك في اعتصام أهالي الأسرى في مقر الصليب الأحمر من الساعة التاسعة والنصف صباح كل يوم اثنين وحتى الحادية عشر.
الحاجة أم إبراهيم بارود (70 عاما) هي والدة الأسير إبراهيم مصطفى بارود والذي يقضي حكا بالسجن لمدة 27 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي قضى منها ما يقارب 24 عاما، تنتفض الدموع بعينيها متحسرة على مرور أكثر من 12 عاما لم تزر فيها إبراهيم سوى مرتين.
وعن أوضاع ابنها الأسير أوضحت بأنها سيئة جدا، ولا تصلها أخباره إلا القليل عن طريق أسرى محررين أو الصليب عند قيامه بزيارة الأسرى، وأنها خلال السنوات الأربع الأخيرة وصلها منه رسالتين عن طريق الصليب الأحمر، وكانت آخر مكالمة منه عندما علم بوفاة جدته حيث قاموا بإرسال شهادة الوفاة لإدارة مصلحة السجون عن طريق الصليب الأحمر حينها سمح له بمحادثتها وتعزيتها.
ذكرى تعتصر الفؤاد
الجالس إلى جانب أمهات الأسرى يشعر بحسرتهن تخترق الضلوع من كلماتهن ودموعهن التي ألفت مجراها، فبسرد ذويهم لطريقة اعتقالهم لا تنفك عن تخيل تلك المشاهد أمامك، عن ذلك تقول أم إبراهيم: "اعتقلوه من بيت جده بعد محاصرته، أذكره بكل دقيقة، بكل ثانية".
تقلب أم إبراهيم في ذاكرتها العديد من الأحداث وتقول: "أذكر إبراهيم حينما كان ينهي عمله، ويأتيني ب"القطايف" في رمضان، أذكر جلساته التي لا تنسى، فمن يستطيع أن ينسى فلذة كبده، إبراهيم لا يغيب عن بالي مثلما لا يغيب كل أسير عن بال محبيه، كان دائما يوصي أخوته بأن يحافظوا على نظافة الأشجار المزروعة في أرضنا".
تضيف: "من حفر اسمه في الفؤاد كيف له أن يغيب عن البال، أذكره في الأعياد وفي رمضان وأدعو الله ليل نهار أن يحرسه ويحميه".
التوأم الجد
تأخذ أم إبراهيم نفسا عميقا ثم تتحدث: "لإبراهيم أخ توأم، كوّن عائلة وأصبح والدا لتسعة أفراد، وفوق ذلك أصبح جدا، وإبراهيم ما زال قابعا خلف تلك القضبان اللعينة، هذا ما يقطع قلبي، أجلس مع نفسي دائما وأتخيله مع أولاده، أشعر بكسرة في قلبي وتعز نفسي عليّ، أبكي ليالٍ طوال، كثيرا ما أتخيله، يتناول إفطاره معي قبل ذهابه للعمل، أتخيله أباً، فأمنيتي الوحيدة أن أراه وأرى أولاده وأحتضنهم، ولكن في نهاية المطاف أحمد الله على كل شيء فهذا قضاء الله، وفلسطين تحتاج لتضحية وإن لم نضحي لن تعود فلسطين لنا"، تجعلك تلك الكلمات تحترق من الداخل فكم هي صعبة أن ترى نصفك الآخر لا يملك حتى العائلة.
تفيض ما بجوف عينيها من دموع وتستطرد: "أتمنى أن أحضنه، أشم رائحته، أقبل جبينه، لكن ما باليد حيلة، فلا أستطيع حتى محادثته عبر الهاتف، وإن حدث وحادثته فإما أن تكون بالسر دون علم حراس السجن وتكون بسرعة خاطفة لا أستطيع أن أروي ظمئي من صوته، أي دين يرضى بذلك؟، جريمة ابني هي أنه فلسطيني، وجلّ ما فعله انه دافع عن أرضه".
فلسطين أكبر من الجميع
القضية الفلسطينية على شفا حفرة من النسيان وآلاف الأسرى يقبعون خلف الزنازين، في هذا السياق تقول أم إبراهيم: "جلعاد شاليط حينما أسرته المقاومة الفلسطينية تم تسليط الضوء على قضيته أمام العالم كله، أما أسرانا فهم قابعون خلف السجون منذ سنين طوال والجمع العربي الغفير يتملص من مسؤولياته".
الوطن يحتاج لتضحيات فهناك من يستشهد دفاعا عنه، وهناك من يسجن وهذا حال أسرانا وفلسطين تستحق أن نضحي من أجلها، ولابد للجميع أن يقف وقفة صلبة قوية كرامة لفلسطين وترابها، وتدعو أم إبراهيم لأن تتوحد أقطار الصف الفلسطيني لان وحدتهم -حسب أم إبراهيم- انتصار لفلسطين.
حرق الأبدان ولا الطلوع من الأوطان
ليس من الغريب أن تجد أهالي الأسرى على الرغم من تواجد فرصة للإفراج عن أحبابهم، إلا أنهم يرفضونها ورغم توارد فكرة الإفراج عن الأسرى مقابل إبعادهم تجد أهالي الأسرى يفضلون بقاء أبنائهم في الاعتقال على إبعادهم، تلك هي الحال عند بارود فهي ترفض أن يبعد ابراهيم مقابل إطلاق سراحه، مؤكدة أن السجن لهو أرحم على الأسرى وأهاليهم من الخروج من هذا الوطن، فهم اعتقلوا من أجل فلسطين، وناضلوا من أجل كرامتها، وتذكر لنا مبعدي كنيسة المهد ومعاناتهم، على الرغم من بقائهم في فلسطين إلا أنهم لا يهنئون بالعيش بعيدا عن أهلهم وأرضهم التي ولدوا فيها، ولا ينفكون يحلمون بعودتهم للمناطق التي ترعرعوا على أرضها وليعودوا لأمهاتهم وأبنائهم.
قلب الأم زهرة لا تذبل
تجاوزت السبعين من العمر، وهي لا تنفك عن المجيء كل اثنين للاعتصام، بمرارة تشعر بعمقها، والغضب الذي ينبعث من نظرات عيونها توجه أم إبراهيم رسالة إلى نساء غزة وتدعوهن إلى مواصلة النضال من اجل حق أبنائهم وأحبائهم في الحياة، متمنية أن يتوحد الشعب الفلسطيني وينتهي الانقسام ويرفع الحصار ويقف الجميع مع الأسرى الفلسطينيين .
وناشدت المسئولين بأن يضعوا الأسرى وقضيتهم على سلم أولوياتها، داعية صانعي القرار للالتفات لأجل كل من ضحى بمستقبله لأجل فلسطين.
وبكلمة ألفها الجميع، وهي دعاء لاستمرار سلم الصبر، تنهي أم إبراهيم حديثها والذي لا ترغب بإنهائه داعية من الله أن يمن عليها برؤية ابنها قبل أن يأخذ أمانته...".
_المادة منشورة_
0 التعليقات:
إرسال تعليق