الأحد، يوليو 04، 2010

سوق الباله وسط غزة في انتظار المشترين أو الزوار

سوق الباله وسط غزة في انتظار المشترين أو الزوار

غزة_من هبة الإفرنجي_

منغمسة بين مجموعة من الملابس كان قد صفها الخمسيني أبو محمد في محله الصغير، قلبت مرات عدة ،إلى ان اهتدت لما تريده وما أن رفعت رأسها إلا وقالت"الحمد لله اني لقيت اشي منيح يتلبس، أخذت تضعه على صدر ابنها لصغير الذي كان يرافقها، أعجبه وتمسك به كمن يجد ظالته، ولكنها لم تبدي إلا امتعاظا، خوفا من أن يطمع البائع ويزيد السعر، بعد مجادلة ومفاصلة ، استقروا على سعر أرضى الطرفين وأخذت السيدة ما اشترته وفرت خارج السوق ممكنة يدها بيد ابنها.

اقتربت من البائع الخمسيني أبو محمد بعد أن راقبت ذلك المشهد كي نعرف ما يدور في هذا السوق الذي يعج بملابس وأدوات لا يبدو عليها اللمعان المذهب للعقول.

أبو محمد أحد أصحاب المحال التي تقع في وسط مدينة غزة، أكد لنا أن السوق يحمل مضمونا يختلف عما كان يحمله فيما مضى فهو في الوقت الحالي يبيع (الستوكات) الرثة والتي لا يقبلها سوى الفقراء، مشيرا إلا أنه فيما مضى كان يبيع ما يحتاجه الغني والفقير.

وأضاف:" كنت أبيع الملابس الجديدة والتي غالبا ما تكون (ستوكات) بعض المصانع أو تصفيات المصانع الكبيرة أو المحلات التي تعاني من الكساد أو يتراكم المخزون من إنتاجها, وتباع جميعها جنبا إلى جنب مع الملابس المستعملة ولكنها بالطبع تباع بأسعار مختلفة".

ضرب كفا بكف وقال:" أما حاليا حتى البضاعة (الستوك) تقلصت وأصبحت معدومة بعض الشيء، هذه بالإضافة إلي البضائع المصرية التي غلفت السوق كله وبأسعار بخسة حرمتنا من استمرار رزقنا الضئيل".

أما ياسين وهو الآخر بائع في قسم الملابس المستعملة في سوق فراس، اقتعد كرسيه المهترئ بجوار ملابسه المعروضة، ومحله الذي يكاد يخلو من البضاعة وقال وعيناه تجولان في السماء كمن يغدق بأحلام اليقظة: "بضاعتي كانت إسرائيلية تأتي من إسرائيل ومع الحصار لم تعد تصلني أي شيء وزبائني "العوض بسلامتكم"، فقد هجروني من بعد فقداني "ورقة الياناصيب".

فقراء يبيعون ملابسهم، ويشتريها الأفقر، يصطنعون السعادة بحصولهم على الجديد بنظرهم، فهم به ملوك وامراء .

نسيبة سيدة ملامحها تؤكد بأنها لم تنهي عقدها الثاني بعد، أشاحت بوجهها بخرقة سوداء شفافة وخلفها طفل يشيح بوجهه وعني عن استحياء وهو ممسك بطرف ثوبها خشية أن يفترق عنها وأخذت تقول:"اجيت اشترى لولادي أواعي يروحوا فيها على عرس ابن عمهم، ما في مصاري وما في أواعي رخيصة على قدر مصاريي، بجيب ولادي وبنقيلهم أحلى قطعة يلبسوها في المناسبات".

تشيح بوجهها يمنة ويسار عني كمن يبتعد عن نظرات اتهام، وما تهمتها سوى أن الفقر أدقع كاهلها، وجعل منها زائرة دائمة لسوق ابتلعت كل بضائعه التي تصلح للاستخدام بعد إنعاشها عن طريق غسلها مرتين متتاليتين.

"هناك من يحمل شهادات جامعية وهناك من يحمل بمهن أخرى، ولكن لا مجال للخوض فيها، بينما مهنة بيع الملابس المستخدمة تبقى بالنسبة لهم مهنة أفضل من لا شيء.

"محزن أن ترى محال قد أغلقت لعدم مقدرتها على دفع ثمن ترخيص أو لعدم وجود إقبال"، كانت هذه كلمات أم محمد الأربعينية والتي تعد من زوار دائمين للسوق.

وأضافت أم محمد: "بين فترة وأخرى أمر بشكل دوري على السوق أصبحت أعرفهم وأعرف أوضاعهم ، وأيضا لا أمر فقط لذلك فأنا أيضا من زبائن هذا السوق أحفادي كثر وآبائهم أعانهم الله منهم العاطل عن العمل ومنهم المصاب والذي لا يقدر على العمل، لا أحب رؤيتهم بملابس رثة وفي نفس الوقت لا أملك المال لشراء الجديد لهم ، فأجد المنقذ الوحيد هذا السوق".

وأشارت إلى أنها لا يمكن أن تستغني عنه، مؤكدة على أنه هناك العديد من العائلات تنتظر فك الحصار لتعود البضائع القوية بعض الشيء لتشتري منه، فالسوق بحسب أم محمد "لا يمكن أن يموت بأي حال من الأحوال".

هكذا هم – باعة يتحينون الفرص لتحسن أوضاعهم ، ناهيك أيضا تحينهم لتلك الساعة التي يمر فيها أحد المشتريين الذي يخلصهم من تلك البضائع المكدسة والتي حفظوا أشكالها وتفاصيلها لطول فترة مكوثها بين أيديهم، والتى هي نفسها تبحث عن أحد يسترها داخل خزانته ويحميها من برد الشتاء وحرارة الصيف التي تلفحها وتغير ملامحها، لكننا نعود لنفس السبب الذي أوجع العديد من المهن وهو الحصار الذي حرمها هي أيضا أن تستمتع بتلك الفرصة، فيا ترى هل سيأتي ذاك اليوم الذي تعود فيه تلك التجارة؟.







رابط التقرير في جريدة القدس
http://web.alquds.com/docs/pdf-docs/2010/7/4/page23.pdf




Sponsor