الجمعة، ديسمبر 17، 2010

المشهد الخامس من قصة أغدا ألقاك...

المشهد الخامس/ نهار_خارجي

بدأت منال بالركض وبيدها وسام تجره خلفها وما إن وصلت نهاية الشارع تعدو كالمجنونة تمسك بابنها كمن يلحقها مجرم عتيد القوة تلتفت أمامها لتحفظ خطاها، لكنها تتوقف بعد  أن نالت مرادها، فقد رأت صدام راكضا نحوها، اقترب منها ملوحا بذراعه كأنه يؤكد لها بأنه صدام نظرا لما أصاب ملابسه من رماد إثر قصف طال المكان الذي كان يمر بجانبه، بعد أن التقت روحهما..أخذت تستجمع قواها للرحيل، التفتت خلفها تمسك بابنيها ولكنها أفاقت على فاجعة جديدة بهتت بزوجها وأخذت تصرخ بشكل هستيري والخوف والذعر يملآنها

منال:" صدام ...صدام الحقني يا صدام".

ينظر صدام لزوجته وابنه وتحيط به ملامح الصدمة والذعر هو الآخر ينظر إليه والحيرة تملأ عينيه.

صدام :" وين حسام شو صرلو".

تقف منال فجأة دون حرام وقد جف حلقها فقد أدركت وقتها أنها نزلت وتركت ابنها نائما في المنزل ونسيته هناك، وانفجرت منال باكية وبدأت بالصراخ ثم اقترب صدام منها وبدأ بهزها

صدام:" وين الولد شو صرلوو ولك احكي".

تتملص منال من بين يدي زوجها محاولة العودة للمنزل وهي تتحدث وتبكي

منال:" يا ويلي من الله يا ابني حسام ابني نسيتو نايم بالبيت"، وتبكي بحرقة .

عندما سمع كلماتهما هرع دون وعيي راكضا بطريق العودة إلى المنزل لإحضار ابنه بينما منال تنهار باكية، حاولت النهوض واللحاق بزوجها لكن قدماها خانتها جلست أرضا وأخذت وسام الذي هو الآخر كان يبكي واحتضنته بقوة، وبدأت تنادي

منال:" صدام حسام، يالله شو الى صار، يارب، يارب استر والطف".

يراها جارهم الشيخ محمد ويحاول طمأنتها بعدما علم بالقصة من وسام ابنها.

الشيخ محمد:" وحدي الله يا مرة هلأ بلحقونا تخافيش يلي قومي معي إنتي وابنك ليسير شي بهالشارع ما في أمان الضرب شغال ما بيفرق".

تنهض منال بمساعدة الشيخ محمد وتذهب معه علي طول الطريق محاولة الوصول الي بيت أهلها في الشارع الثاني لكنها لم تغادر ظلت عند نهاية الشارع العام واقفة علها تلمح زوجها تلتفت يمينا ويسارا علها تراه .... أخذت تنظر لابنها وسام الذي كان هو الآخر يبكي حرقة على أخيه وأبيه وما أن رفعت رأسها وإذ بقذيفة أخرى تدوي خلفها التفتت منال لترى ما حدث وقفت بعدما وضعت ابنها أرضا تتقدم بخطوات بطيئة نحو مكان منزلها جفت دموعها لا صوت لها فقط إشارات نحو المكان صمت مدقع يرافق المشهد، بعدما استوعبت ما حدث تجلس أرضا ويحتضنها وسام وأخذت تطلع العنان لصوتها، فاغرة فاهها وتصرخ بأعلى رافعة رأسها للأعلى (يا رب) ..

كان لديها الأمل أن يكونا بخير ولكن قدوم امرأة من ناحية المكان المستهدف نهضت مسرعة منال نحوها تسألها عن زوجها وابنها ولكن المرأة كانت مكلومة هي الأخرى وأخذت تقول:" كل إلي بالعمارة استشهد اليهود قصفو العمارة والناس فيها الله يلعنهم الله يهدهم وتبكي بحرقة"...

وقفت منال حاولت أن تكون ثابتة وأن تنكر ما حدث بإشارات برأسها تقول فيها لأ ولكنها عجزت وبدأت بصراخ هستيري:"صدااااااااااام... حساااام".

حاولت الرجوع لكن الشيخ محمد منعها صارخا بوجهها ( وين رايحة وتاركة ابنك ارجعي لهون".

بدأ وسام صراخه يتعالى:" ياماما أنا خايف ياماما بابا راح وين حسام". كان قد شاهد القصف الذي طال منزلهم ..

التفتت منال لحالها لبرهة ولما أصابها وأدركت أنه لم يتبقي لها سوي وسام وتعود منكسرة والدموع تملأ عينيها لتحتضن وسام وهي تبكي وتنظر خلفها تارة ولوسام تارة أخري

منال:" سامحني يا حسام سامحني يا ابني".

تنهض وتمسك بيد ابنها وسام تضغط عليها بشدة محاولة أن تحافظ عليه وخائفة في نفس الوقت فلم يعد سواه لديها وتمشي وسط الجموع وهي تجر أذيال الحزن والأسى لا تعلم أين تذهب فقد أصبحت مصدومة بعد ما حدث لا تعرف سوي وسام الذي تثبت يدها بيده ...

تمشي مع الجميع ولا تمشي، لم يعد لديها شيء تفعله كل ما تعرفه أنها تسير بشكل صحيح حسب تعليمات أشخاص يلبسون الجاكيت الأبيض والذي رسم عليه هلال وصليب لم تعد تعي ما حولها أصبح كل ما حولها أكذوبة صنعتها بنفسها وأخذت ترصف الطريق بدموع الألم والمعاناة ، وما كان يخفف عنها اقتراب ابنها وسام ومسح تلك الدموع الرقيقة.قامت بتقليد من كان موجود واجتلست إحدى الحجارة التي رصت بجانب بعضها البعض، اغتمس اليوم بليل حالك السواد حاولت منال أن تتقبل ذلك الوضع لكن دموعها لم تكن تجف احتضنت وسام بين ذراعيها وأخذت تقبله مرارا وتكرارا ...تشد على ذراعيه كأنها خائفة أن يفلت منها أو يضيع هو الآخر رافق سواد الليل سكون موحش حينها استسلمت منال لتعب عينيها وأسدلتهما علها تنسى ما مرت به من عناء وشقاء في هذا اليوم...

لا حديث ....فقط صمت مدقع، توجه الجميع بعدما استمعوا لنداءات الصليب الأحمر في صباح اليوم الثاني نحو مخيم رث الحالة باتجاه جنوب البلاد هنالك كانت بيوت مبنية من الطوب الأحمر شوارع لا صرف صحي فيها زواريب موحلة ...التفت منال حولها بعد أن سجلت عنوانها واستلمت بيتا صغيرا افترشته بخرقة صغيرة وفرشة ووسادة استلمتهما من أحد الأشخاص الذين كانوا يوزعون بعض المساعدات جلست على حافة باب المنزل التفت ناحيتها وسام الذي كان لا يفارق أحضانها ليخبرها عن جوعه فما كان منها إلا أن رسمت ابتسامة مقهورة رافقتها دمعة وأخذته متجهة نحو زاوية في المنزل وضعت عليها بعض الأواني أخذت تبحث عن شيء يسد رمق جوع ابنها...

مرت أيام وليال وأسابيع وأشهر بل أعوام أيضا، ولا بسمة تشرق في وجه منال غلا إذا حضر وسام، وذلك أملا منها ألا تشعره بألم أو حسرة أو غربة ولكن هيهات فهو دائم الحديث عن والده وأخوه مما يجعلها تذرف دموع الألم والحسرة تحاول أن تنسى ما حدث وتشغل نفسها طوال أحد عشر عاما بأي شيئ ولكنها ترافق أي حركة من تحركاتها بكاء اشتكت مقلتيها منها مرارا ولكن هيهات أن تكف عن تذكر تلك اللحظات التي فقدت أعز الناس على قلبها زوجها وابنها ..أيقظها صوت ابنها وسام الذي دخل للتو دون أن تشعر به قائلا لها

وسام:" شو يا ست الحبايب شو عامليتلي غدا اليوم".

تبتسم منال بعد أن مسحت دمعة عينها دون أن يلاحظها وسام

منال:" آهلين بنور عيني عامليتلك ملوخية بالرز دقايق وبكون الأكل عالطاولة".

بدأت منال تعد طاولة الطعام لبدء الغداء، كانت منال قد أخذ منها الكبر بعض الشئ فقد مر علي هذه الحادثة أحد عشر عاما، كانت ترتدي تنوره وقميص، ويدخل وسام كعادته يبدأ بسرد ما حدث له خلال اليوم في الجامعة ويخبره، تنظر إليه منال وتعي بأن ابنها قد كبر وأصبح بالجامعة بدأت تفكر بابنها لو أنه عاش لكانا لأن بالجامعة ولكن ماذا سيدرس مدرس أم محامي كابنها وهي أمنية والده رحمه الله

وسام يقاطع فكرها:" وين يا حجة وين راح بالك".

منال:" ولا اشي يا بنيي بس سرحت شوي".

أحس وسام بأنها تفكر بحسام فهي تذكره من الحين للآخر ولا يغادر بالها ودائما ما تبكي ليلا وهوي يراها دون أن تشعر به ويسمعها تتندم لما فعلته ، حاول أن يغير الموضوع وبدأ يتحدث عن زملائه في الجامعة وزميله الجديد الذي كان دائما ما يتمني أن يتعرف لعيه فقال لأمه

وسام:" تتزكري يا ماما الشب إلي كنت احكيلك عنو دايما، انو نفسي أتعرف عليه ، اليوم اتعرفتلك عليه بالصدفة شب صاحبي بيعرفو وتعرفت عليه من خلالو بس مبين عليه محترم".

الأم :" الله يوفقكو يا حبيبي بس يكون منيح وأهلو مناح وما يلهيك عن دراستك".

وسام:" لا اتطمني يا حجتي هو تخصصو تربية وطبعا أنا حقوق بعدين الشب كثير محترم وأنا حبيتو كتير وهوي عايش لحالو هون، أهلو كلهم برا البلد".

الأم بعد أن انتهت من وضع الطعام علي الطاولة:" طيب يلي غسل ايديك وتعى تغدي .....".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Sponsor