يوما
في مغسل للسيارات لم يكن يوما وإنما كانت ساعة ونصف هي الوقت الذي قضيته كصبية في
مغسل للسيارات، نعم مغسلا للسيارات بدأت العمل به صبيحة هذا اليوم. بدأت الحكاية
حينما نهضت في الصباح الباكر محاولة الذهاب إلى معهد سبلين مع ابنة خالتي ولكنني
وجدت نفسي متأخرة وقد سبقتني عدت أدراجي فوجدت ابن خالتي متوجها لعمله في مغسل
للسيارات بدأت "أجس" نبضه وأحاول أن استلطفه قليلا عله يسمح لي الذهاب
معه للعمل رفض وظن أنني أمزح معه وقال لي ضاحكا: "طيب الحقيني".
لم أكذب خبرا صعدت لمنزل اختي وبدلت ملابسي وحاولت ان استصلح ملابسا
للعمل وانتقيتها غامقة اللون ساعدتها قليلا في ترتيب المنزل وخرجت مسرعة، كانت
الساعة التاسعة صباحا فوجدته جالسا يبعد الذباب تارة وتارة أخرى ينظر يمينا ويسارا
عله يجد زبونا. شعرت بالصدمة في ابتسامته حينما وجدني أمامه فقال لي : "شو
بشوفك اجيتي ؟". وكنت اشعر أنني المنتصرة هنا جلست إلى جانبه على كرسي وهو
على حجارة وأخذنا نتحدث عن السيارات والمشاكل العائلية وغزة وفي قلبي أقول متى
تأتي سيارة لنبدأ العمل مللت الحديث. كانت بدايتنا في سيارة لأحد أصدقاءه وبداية
سيئة فقد كان على الكرسي الخلفي فأرا يركض يمنا ويسارا وكان مصيره أن قتله صاحب
السيارة بحذاءة وابن خالتي تناوله بيده ورماه في المجارير كان منظرا مقرفا حقا.
كان ابن خالتي ينظر إلي والصدمة تحتويه ويضحك كنت نشيطة في عملي
اقلده بكل ما يفعل أحاول ألا أضايقه في العمل حتى لا يظهر عصبيته عليي إن مر من
ناحية أمر من الأخرى لأتركه بعمله براحته وفي ذات الوقت أقوم بمساعدته، قمت بمسح
الزجاج بورق الجرائد كانت الجرائد تغريني لكن حاولت ألا أقرأ أي خبر فيها وأن أهتم
بعملي، قمنا بمسح الدواليب وأيضا مسح هيكل السيارة بعد أن قام بتنظيفها بمنظفات.
لم ننتهي من السيارة الأولى حتى توقفت السيارة الثانية في الخارج وعلى الفور
انهينا الأولى وقبضنا ثمن عرقنا خمسة ألاف ليرة لبنانية.
بدأنا بالسيارة الثانية ولكن حينما كان ابن خالتي يجلبها من الخارج
حاولت أن أنظف الأرضية بالمياه الرشاشة وكادت الطامة أن تقع حينما أخطأت في إغلاق
الصنبور قبل المدفع الكهربائي صرخ بزامور السيارة التي كان يجلبها للغسيل وقال لي:
"لا خطأ شو بدك تعملي". شعرت حينها أن لابد أن أكون حذرة مرة أخرى بدأنا
العمل بعد أن عاد إلى طبيعته ويضحك مما أفعله قمنا بتنظيف السيارة مرة اخرى ونحن
نتجاذب أطراف الحديث وأنهيناها وخرج مسرعا للخارج ليأخذ نفسا من الهواء النظيف
فحرارة المكان كانت مرتفعة تطابقا مع حرارة الجو.
الجوع قتلنا بعد عمل متعب قررت أن اذهب للمخبز لشراء المناقيش
والميرندا وبعد عودتي وجدت رجلا يشبه أحد المصارعين يقف ويتحدث مع ابن خالتي دخلت
المغسل ووضعت فطورنا ولكن الرجل ناداني : "يا حجة تعالي لهون : " جعلني
أشعر بالاستفزاز من ذا الذي يناديني يا حجة هل كبر السن يعلو جبهتي قلت له :
" أنا مش حجة " فعاد يقول لي : "هون الناس إزا شافوكي بتشتغلي
بمغسل رح يسيرو يحكو بيعتبروها عيب، كنت أرغب في أن أعطيه كلمتين ولكن احتراما
لابن خالتي ومنعا من إحراجه تركت المكان وأخذت طعامي معي وعدت للمنزل لاكتب لكم
مغامراتي في يوم في مغسل للسيارات.
صدقا لم أشعر أن عمل كهذا صعبا لهذه الدرجة نعم رافقني القليل من ألم
في الظهر وكدت أقطر عرقا فدرجة الحرارة كانت مرتفعة في هذا اليوم، كان هدفي في هذا
اليوم أن أعمل كمن لم يتعلم لأرى المعاناة فوجدتها واحدة فعملي صحافية متعب وبحاجة
لمجهود عقلي وبدني أيضا، ليس عيبا أن تعمل الفتاة هذا ما أعرفه وفي لبنان لا تجد
محلا مفتوحا أو مصلحة إلا وفيها فتاة تعمل إلا مغاسل السيارات لا اعلم ما السبب في
ذلك، ولكن رغم ذلك كسرت القاعدة وعملت ساعة ونصف في مغسل للسيارات دون مقابل.