السبت، أبريل 09، 2011

أطفال غزة ولعبة الألوان


أطفال غزة ولعبة الألوان
غزة – كتبت هبة الإفرنجي

كنت متوجهة في زيارة إلى إحدى صديقات والدتي وخلال تلك الزيارة افتتحنا مواضيع من الشرق ومن الغرب وكانت من بينها توجهات الأطفال فاجأني قولها حينما قالت أن طفلها يرفض شراء ادواته المدرسية ذات اللون الأخضر ويطلبها " أي لون ما عدا الأخضر" يقولها دائما بتذمر رغم أن اللون الأخضر لا يقتصر على أحد معين.
حاولت أن استوعب الموقف بقولي أن عائلته لا تحب اللون الأخضر لربما وهو يقلدها بذلك، ولكن ما فاجأني أكثر حينما توجهت إلى إحدى المكاتب وحاولت أن أتطرق لما هو أخضر وما هو أصفر في المكتبة فأضحكني لدرجة الإعياء صاحب تلك المكتبة قائلا لي: يأتي الطلاب ويرفضون شراء الأقلام والبرايات الخضراء كل بضاعتي تنفذ ما عدا كل شيء لونه أخضر، لم أصدقه في بداية الأمر ولكن حينما قدم طفل وأراد شراء "مسطرة"، ناوله حينها البائع مسطرة خضراء قام بإعادتها وقال له " فش عندك غير هاللون جيبلي أي لون ما عدا اللون الأخضر".
لم أستطع أن أتمالك نفسي حينها من الضحك فقد كان موقف الطفل مضحك ومبكي في ذات الوقت، هل من المعقول أن تصبغ عقول الأطفال برفض الألوان لعدم حبهم حزب أو فصيل معين.
قلت لربما شيء عادي، فالمنطقة قد تكون تتبع بآرائها لفصيل معين وتمنع أطفالها من شراء أو التعامل مع الألوان "المعادية"، توجهت لمجموعة من الأطفال يلعبون في إحدى شوارع غزة الرملية ومن المؤكد في إحدى مخيماتها الخاصة باللاجئين، اقتربت مجموعة من الأطفال كانوا يركضون خلف بعضهم البعض وفي إيديهم مسدسات "اصطناعية" ومائية يرشون بعضهم البعض، أعجبتني تلك اللعبة فقد أعادتني ثلاثة عشر عاما إلى الوراء حينما كنت ألعب مع أصدقائي في شوارع المخيمات لعبتنا المفضلة في ساعات العصر، "يهود وعرب" كنا نقسم بعضنا  لقسمين وبعضنا يمسك المسدسات والبعض الآخر يستخدم يديه كحجارة ونبدأ بحرب "صورية" قد تقطعها أحيانا صراخ جيراننا" اسكتوا بدنا ننام" وخروج جارنا بأحد الأحذية يرمينا بها حتى نتفرق.
وقفت برهة أشاهدهم لكنني لم أشاهد تلك البراءة بينهم، لم أشاهد بعضهم يحمل المسدسات الصورية والبعض الآخر بيديه، كانت هيئتهم أطفال قد وضعوا شارات تميزهم بين بعضهم البعض جزء منها أصفر والآخر أخضر أمسكت بأحدهم الذي حاول أن يتملص مني حتى لا يمسكه طفل في الجبهة المضادة، ويصبح بوجهة نظره " مقتولا" أمسكته بشدة من طرف يده وسألته ما هي اللعبة التي تلعبونها، كانت إجابته الصاعقة : " بنلعب حرب الأصفر والأخضر،  ومن ثم تملص مني وعاد للعبته.
فغرت فاهي وركنت جسدي على حائط قريب وأخذت أستغفر الله على تلك الحال التي وصل أطفالنا لها، هل يعقل أن تتغير حتى توجهات أطفالنا، لربما هم عدد معين ولكن الغريب أنه لم يكن موجود من قبل، كانت صاعقة ولكنها كانت متوقعة فهي الحالة التي وصلنا لها من صنع أيدينا.
عدت أدراجي لمنزلي واقتربت من أخي الذي يجلس ليل نهار "مدردشا أمام شاشات الكمبيوتر" حاولت أن أواسي نفسي بسرد تلك القصة عليه، ولكنه أخبرني بقصة أخرى أخجلتني من وجودي في فلسطين رغم أنني أعتز بهذا الاسم، قائلا: " صديقي فلسطيني مسافر في إحدى الدول وكان في خطبة الجمعة جالس في أحد المساجد والخطيب "يهاجم" أهل غزة والضفة ويقول للمصلين يقتلون بعضهم البعض من أجل شبر وشبرين وفلسطين ضائعة هؤلاء لا يستحقون المساعدة فليحلو مشاكلهم أولا شوهوا سمعة فلسطين أمام الجميع"، لم أعجب لقوله، فهو شيء طبيعي فتوجهات قياداتنا باتت لمصالح خاصة ولا يأبهون لفلسطين، وللشعب الذي أصبح هو أيضا مخدر لا يعي أين كان فيما مضى.
أعتقد الآن أن اللونين سعيدان جدا بما هو حاصل فكل يحقق أمنياته التي كان يحلم بها وهو صغير.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Sponsor